Saturday, April 2, 2011

the governamental newspapers and the press freedom liberalization, an opinion

الصحف القومية بين السلف الطالح والخلف الصالح
  بقلم   صلاح عيسى    ٢/ ٤/ ٢٠١١
لأن السلف الصالح كان يقول «هان شأن قوم يصلح أمرهم بأن أبدلهم أميراً بأمير»، فليس بتغيير قيادات الصحف - وأجهزة الإعلام - القومية يتحرر «الإعلام القومى»، أو يتوقى الأخطاء المهنية التى وقعت فيها بعض قياداته، خلال الأيام العشرة الأولى من الثورة، لأن جوهر المشكلة لا يكمن فى هذه الأخطاء، ولكن يكمن أساساً فى صيغته وشكل ملكيته وطبيعة إدارته، التى لو استمرت فسوف يقع الخلف الصالح - مضطراً أو مختاراً - فى الأخطاء نفسها، التى وقع فيها السلف، المتهم الآن بأنه كان طالحاً.
ونظرة عابرة إلى تاريخ «الإعلام القومى» - منذ تأسس بتأميم الصحافة عام ١٩٦٠ - تكشف عن أنه نشأ انطلاقاً من رؤية واضحة وفلسفة معلنة، لكى يكون «إعلام تعبئة»، مهمته الأساسية هى أن يعبئ الناس ويحشدهم حول شخص الرئيس القائم، بأن يشرح لهم خطبه وقراراته وسياساته، ويسعى لإقناعهم بأنها الوحيدة التى تحقق المصالح العامة للوطن والشعب، وأن كل من يعارضونها أو حتى ينتقدوها، هم من «أعداء الشعب»، الذين ينبغى التصدى لهم، وحرمانهم من التعبير عن آرائهم، تطبيقاً لقاعدة «الحرية كل الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب»، ولذلك لم يجد الذين يديرونه، خلال نصف القرن الماضى، حرجاً فى الدفاع عن رؤساء مختلفين، اتبعوا سياسات متناقضة، فدافعوا عن اشتراكية عبدالناصر العلمية، بالحماس نفسه الذى دافعوا به عن انفتاح السادات، السداح مداح، وعن خصخصة مبارك التى أسفرت عن بيع أصول الوطن بتراب الفلوس..
ولم يختلف ما قاله الذين كانوا يوجهون هذا الإعلام عن انتفاضة ٢٥ يناير ٢٠١١، عما قاله أسلاف لهم عن انتفاضة فبراير ١٩٦٨ وانتفاضة يناير ١٩٧٢ وانتفاضة يناير ١٩٧٤ وانتفاضة ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧، التى دخلت تاريخ الإعلام القومى التعبوى باسم «انتفاضة الحرامية»!
مشكلة إعلام التعبئة هى أنه يتعامل مع الجماهير، باعتبار أن لها آذاناً وليست لها ألسنة، وأن الله عز وجل خلقها لكى تسمع فقط ما يقوله الرؤساء والمسؤولون، لا أن تتكلم كذلك.. وهو إعلام يفسد عقول الناس، ويعطلها عن العمل، ويُفقدها الحد الأدنى من الحس النقدى الذى يمكنها من التمييز بين الصواب والخطأ، وبين المصلحة والضرر، وبين الحقائق والأكاذيب.
ويؤدى فى النهاية إلى تشكيل رأى عام غير ناضج، يفتقد الوعى السياسى الذى يمكنّه من التفرقة بين الأطهار والفجار، وبين الثوار والشطار، وبين المتدينين والذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً.. وبين الديمقراطيين والذين يرفعون رايات الديمقراطية، لكى يقيموا استبداداً بديلاً.
تحرير الإعلام القومى لن يتم بمجرد تعيين رؤساء مجالس إدارة وتحرير جدد للصحف القومية، أو مدراء جدد للقنوات التليفزيونية، ولكن بتحريره أساساً من قيود مدرسة إعلام التعبئة، ومن الاحتلال الحكومى لنا، الذى استمر نصف قرن، وإعادة هيكلته اقتصادياً ومهنياً، بحيث يتحول إلى «إعلام حر»، ولاؤه الأساسى للوطن وللشعب ولتقاليد وأدبيات المهنة، وهى مهمة ليست مستحيلة، على الرغم من المشاكل المعقدة، التى تراكمت فى المؤسسات الإعلامية خلال نصف القرن الماضى، فما أعرفه أن دراسات كثيرة أجريت فى هذا الاتجاه خلال السنوات الخمس الماضية، وانتهت إلى أفكار كانت تنتظر قرارات سياسية.
والمطلوب الآن هو أن تنفض الحكومة الغبار عن هذه الدراسات، وأن تطرح الحلول التى توصلت إليها للحوار بين كل الذين يعنيهم أمر تحرير الإعلام، فضلاً عن المتخصصين وأصحاب الشأن من الصحفيين والإعلاميين، حتى يمكن التوصل إلى رؤية وطنية مشتركة، يجرى تنفيذها خلال فترة زمنية معقولة، تحافظ على حقوق العاملين فى هذه المؤسسات، وتوقف نزيف الخسائر، وتغلق أبواب الفساد التى تؤدى إلى إهدار المال العام، وتحرر الإعلام من مدرسة «إعلام التعبئة»، والإعلاميين من الضغوط التى تضطرهم للخروج على تقاليد مهنتهم وآدابها.
رؤية تنطلق من قاعدة واحدة لا شطارة فيها ولا اجتهاد.. ففى المجتمعات الحرة لا يجوز للحكومة أن تملك صحفاً أو أجندة إعلامية، وإذا حدث ذلك، فلابد من فصل واضح بين الملكية من جانب وبين الإدارة والتوجيه من جانب آخر.
باختصار ووضوح: مشكلة الصحف وأجندة الإعلام القومية، ليست - أساساً - فى مديريها ورؤساء تحريرها، بل هى فى صيغتها.. ورحم الله السلف الصالح الذى قال «هان شأن قوم أصلح أمرهم أن أبدلهم أميراً بأمير..».

No comments:

Post a Comment