Thursday, April 14, 2011

the peace with al-ahram , an opinion from mahmoud kamel the famous writer

مصالحة مع الأهـــرام‏:‏ البعد عنه غربة عن الوطن‏!‏ بقلم: محمود كامل 
‏ لم أدخل مبني الأهـرام منذ يناير‏1998,‏ ويوم تركته ـ بفعل فاعل ـ فقدت كل إحساس انساني بالمكان الذي قضيت به أربعين من أحلي وأصعب سنوات العمر‏,‏ بعضها في مبناه القديم بشارع مظلوم مع المجموعة الأولي من غير لابسي الطرابيش الذين انتقاهم محمد حسنين هيكل ليشكلوا معه الأهرام الجديد قادما من أخبار اليوم‏,‏  ووقع عقد عملي مع الأهرام بشارة تقلا رئيس مجلس إدارته عندما تولي هيكل رئاسة التحرير, حيث استطاع خلال سنواته الأولي ونحن معه أن يضع الأهرام علي قمة الصحافة العربية قبل ان ننتقل الي مبناه الجديد بشارع الجلاء في نوفمبر1968, وهو المبني الذي تحمل المونة التي بني لبناته عرق العمر وشقاء السنين, الي أن تركه هيكل ـ بفعل فاعل كذلك ـ ليقوده آخرون بذل كل منهم ما استطاع, غير ان كل ما بذلوا لم يكن كافيا لقيادة مؤسسة صحفية بهذا الحجم الهائل, إلي ان اكتشف مبارك ان نظامه يحتاج الي نشرة صحفية تتحدث عن أمجاد لم تحدث, ومشروعات تحققت له فيها فضل قص شرائط الافتتاح أكثر من مرة فانتقي الأهرام, واختار له خير من يقوم بالمهمة مقابل إطلاق اليد في كل العوائد.. وكان!

وإذا كان التلقيح الصناعي مقبولا لكل من يعاني العقم فـإن ذلك التلقيح لا يصلح ولا يجوز ولا يليق بمؤسسة صحفية ولادة بحجم الاهرام, أقام أولادها أغلب صحف العالم العربي بجينات ورثوها من منبع الرقي الأخلاقي والمسئولية التي تقضي بنقل الخبرات للآخرين دون تفضل علي أحد. ولأن الزمان بطبعه دوار, وأن الأيام الحلوة لا تدوم, فقد دهمنا ـ مع مصر كلها ـ الزمان الرديء بقيادات من المبتسرين الذي جاءوا صورة طبق الأصل لمن ارسلهم من نظام مبارك ولجنة سياسات الوريث ليديروا الأهرام المجيد بأسلوب العزبة تأسيا لعزبة مصر التي كان يديرها مبارك وبطانته بأسلوب العمدة الذي لا يقبل من أحد قولا غير شيخ الغفر الذي يضرب الفلاحين بالكرباج كل صباح وشيخ الحارة من الحواريين الذي يتولي تزييف كل المعلومات, وكانت المهمة المحددة للمبتسرين هي تدجين الاهرام وهو ما اقتضي أن يخرج منه كل من يقول كفي أو يقول لا فخرجنا منصرفين, وانصرف معنا ألوف من قراء الأهرام, ما عدا هواة صفحة الوفيات.. وبختك اليوم, رغم توالي الاصدارات التي لاتكفي عوائد أغلبها تكلفة الطباعة والورق, مع تصور وهمي عند مبارك وصفوت الشريف أن كثرة الإصدارات دليل نجاح.. مع ان ذلك ليس حقيقة علي الاطلاق.
ولقد ظل الأهرام مخطوفا لسنين تخلي خلالها عن دوره القومي في تشكيل الرأي العام ــ مصريا وعربيا ــ ذلك ان الصحف المحترمة ليست أوراقا عليها سطور من كلام بلا معني, إنما هي نبض شعب يشتاق لمن يحميه بالعدل في أيام الظلم, وبضمان الحرية وكرامة الانسان في لحظات الغدر ونظم القهر, وتبني مشاكل حياة الناس طريقا للحل, لا الحديث بلا ملل عن أوهام رئيس يحكم بلدا لا علاقة له به, وزوجته الفاضلة التي تشاركه الحكم, ووريث متعجرف وعدته أمه بكرسي العرش, ولا تلميع لصوص الأعمال دون رجال الأعمال الحقيقيين لوضعهم علي قمة الهرم الاجتماعي نموذجا لكل الذين يتلمظون, مقابل إشراك قيادة النشرة الصحفية في التهام ما يتيسر, وعندما تعدي العمر السبعين, وبدا استمرار قيادة المبتسرين بايخ زيادة عن اللزوم استبدل بآخر من نفس التقفيصة ليسير بعده علي نهج لجنة السياسات التي كان يقودها الوريث, الذي كان الحاكم الفعلي لمصر دون وظيفة رسمية تبرر له ذلك. ولكنه ابن العمدة!. ومع ثورة25 يناير, والايام التالية لنجاح الثورة ـ النجاح الأول وليس تمام النجاح ـ وقعت قيادات صحافة الحزب الوطني وكل ما يهمني فيها هو الأهرام, في حوسه وحيص بيص لعدم وضوح الرؤية أمامهم, وما إذا كانت تلك الثورة سوف تنجح لتغير كل شيء, أم أن مبارك والفاضلة والوريث سوف يبقون, وهي الدهولة التي عانت منها قيادات الأهرام أيامها في صبية النظام, الذين أخذوا بالأحوط وحتي لا يفقدوا مغارف الفتة فقد ظلوا طوال ايام الريبة الأولي يتحدثون في مقالاتهم التي لا يقرؤها أحد والتي كانوا يكتبونها غالبا علي أرصفة مسجد مصطفي محمود حيث الحواريون, عن الفوضي التي احدثها المتظاهرون في شوارع القاهرة, والمتآمرون في ميدان التحرير من آكلي الهامبورجر الذين يتلقي كل منهم مع كل صباح ورقة بمائة يورو, من الاصابع الأجنبية التي تحركهم مبشرين بأن تلك القلة المندسة المارقة الذين يهددون أمن وأمان مصر سوف يتم القضاء عليهم بلا رحمة. وكذب الله الظنون: فبعد ايام قليلة تم طرد مبارك في مفاجأة إلهية, مما اضطر قيادات الأهرام قبل تغييرها الي تغيير جلودها وملابسها الملوثة بالنفاق, وتصورواـ في فترة الخديعة ـ ان الجزار يمكن ان يصبح جراحا لمجرد ارتداء القفاز الطبي فارتدوا جميعا قفازات الجراحين, وملابسهم الزرقاء, ناسين جميعا أن الأهرام المجيد ليس سلخانة المدبح وان الصحفيين به ليسوا صبيان المعلم إنما هم جزء من امبراطورية صحفية راقية, وإن تلوثت صفحاتها بكتابات لمن لا يعرفون كيف يكتبون, إلا أن أوان التطهير قد حل, وان طردهم من تلك الصفحات والأعمدة التي اختاروها ـ ع الناصية ـ في أواخر ايامهم هو البداية الحقيقية لأي تطهير, بعيدا عن أي إحراج من القيادات الجديدة, ذلك ان الحق أحق ان يتبع, خاصة ان هؤلاء المطاريد قد مزقوا لحم الأهرام وأكلوه رغم تحقيقات هزلية اغلقت ملفاتها بتعليمات من النظام, وهو ما يحتاج الي تحقيق جديد خاصة مع ادارة النهب غير المشروع.! يبقي بعد ذلك أمام لبيب السباعي وعبد العظيم حماد, الصديقين اللذين جري اختيارهما خطأ منذ غادر هيكل الأهرام مهمة مقدسة, ـ وهما أهل لها ـ هي اعادة المصداقية لصفحات الأهرام والذين يكتبون بها, والتنظيف التام لـ الأهرام من كفار قريش الذين ينطبق عليهم قول الحق: إنك أن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا, فبقاء أي من هؤلاء سوف يتيح لهم لعبة الثعالب والثعابين ضد القيادة المقبلة من رحم الأهرام أملا في اعادة مصر الي أمن مبارك.. وأمانه.. ولعل موقعة الجمل, واحداث مباراة مصر وتونس( الزمالك والافريقي التونسي) في استاد القاهرة, والحرائق والمظاهرات الفئوية المصنوعة لإثارة الفوضي هي خير دليل. وإذا كان ثوار التحرير قد استردوا الوطن من غاصبيه, يبقي علي السباعي وحماد استرداد وجه مصر الجديدة لـ الأهرام, حيث النضارة والبهاء في اعتذار لمصر عن كل ما تسببنا فيه لها بصمتنا الطويل الي ان جاءت صرخة الثوار.في تاريخ الموسيقي خلدت الحان باخ وبيتهوفن واخريين. مثلها ما فعله هيكل عندما قاد اوركسترا الصحافة المصرية. وكنا معه, ومعنا جيل اساتذة العزف الصحفي: ممدوح طه, وسرايا الكبير, وأحمد نافع, وكمال نجيب, وصلاح هلال, وصلاح جلال, وعم شفيق مراجع الأخبار, ومعهم عم دسوقي عجوز السويتش القديم, والآن يتولي السباعي وحماد قيادة أوركسترا التطهير وإضاءة الأنوار وكأن الايام عادت من جديد.!

No comments:

Post a Comment