امتحان التحرير و "مفيد " والحلة "البريستو"!السبت, 2011-04-23 18:26 طارق الشناوي
مجمع التحرير المطل على الميدان الذي صار عنواناً للثورة كان هو المكان الذي يؤمه كل المصريين من مختلف المحافظات لكي ينهوا إجراءات إدارية عديدة تتعلق بمصيرهم في الحياة ولهذا مثلاً قبل 20 عاماً اختار الكاتب "وحيد حامد" مجمع التحرير مكاناً لأحداث فيلمه "الإرهاب والكباب".. منذ 25 يناير وهذا الميدان صار هو الضمير المصري الذي يفرز من هم الشرفاء الذين أيدوا الثورة ووقفوا ضد الفساد..
أصبح ميدان التحرير الآن هو المكان الوحيد لاستخراج بطاقة الهوية الوطنية وبرغم إنني أدرك تماماً أن البعض استغل حالة الفوران الثوري في الحصول على مكاسب ومواقف بطولية لكي يجد نفسه وقد أصبح في بؤرة الثورة والثوريين إلا أن الحقيقة هي أن الميدان صار لديه قانونه بعيداً عمن استطاعوا التلون السريع وهكذا أرى تلك المجازفة التي قام بها "مفيد فوزي" مؤخراً بإصراره على أن يذهب إلى ميدان التحرير بالكاميرا للتأكيد على أنه ليس مرفوضاً جماهيرياً وأن القائمة السوداء التي احتل فيها مكانة متميزة لا تعبر عن حقيقة تواجده مع الناس إنها بالنسبة له أصبحت قضية حياة أو موت.. التليفزيون الرسمي صار خلال الربع قرن الأخير هو بيت "مفيد" الدائم في السنوات العشر الأخيرة ظهر جيل جديد من الإعلاميين الذين استندوا مثله إلى خلفية صحفية أصبحوا مع الزمن هم المطلوبون أكثر لدى الفضائيات إلا أن التليفزيون الرسمي كانت لديه حساباته الخاصة والرجل أحد أذرع النظام السابق وكثيراً ما دافع عنه في مواقف متباينة ولهذا احتفظوا بمفيد في التليفزيون حتى ولو كان في الفريق الاحتياطي.. صحيح إنه في السنوات الأخيرة لم يكن برنامجه "حديث المدينة" يحظى بالقبول الجماهيري الذي كان يتمتع به في الماضي وكثيراً ما كان "مفيد" يكتب مدافعاً عن نفسه في الأبواب الصحفية التي يحررها بقلمه مشيراً إلى أنه يتعرض لظلم في "ماسبيرو" ولم يدرك "مفيد" أن الجرأة في البرامج التي تقدم حتى داخل التليفزيون تجاوزت "مفيد فوزي" وأسلوبه كما أنه لم يطور أدواته ورغم ذلك لم يتم الاستغناء عن "مفيد" صار تواجده فقط مدعماً بإرادة سياسية ترى أنه لا يمكن إزاحته خاصة وأنه قبل عصر انتشار الفضائيات لعب دوره بكفاءة في تلميع النظام مع التنفيس في نفس الوقت عما يجيش في صدور الناس.. نعم كانت بعض البرامج تلعب دور الحلة "البرستو" التي تنفس البخار شيئاً فشيئاً حتى لا يحدث الانفجار.. كل ذلك بالتأكيد تم باتفاق وترحيب من وزير الإعلام الأسبق "صفوت الشريف" أكبر الداعمين لمفيد وصولاً إلى "أنس الفقي" الذي كان يرى أن زمن أسلوب "مفيد" البرامجي قد ولى ولكن كان تواجده مرهون باعتبارات أدبية فلقد لعب الرجل دوره بكل كفاءة منذ نهاية الثمانينيات لدعم النظام.. سقف "مفيد" كان الأعلى وكثافة المشاهدة كانت أيضاً هي الذروة وكما يحدث في دنيا الفن يبدأ الانخفاض التدريجي ثم الانزواء.. "مفيد" شأنه مثل كل فنان وإعلامي لم يتصور في لحظة ما أن النظام سوف ينهار الذي كان يشكل الحماية بالنسبة له حتى لو لم يكن "مفيد" في السنوات الأخيرة أحد أسلحة الدولة التي تقف في الصفوف الإعلامية الأولى!!
"مفيد" هو أول من ابتدع في إعلام الدولة طريقة "الحلة البريستو" أى التنفيس شيئاً فشيئاً حتى لا يحدث الانهيار مع تجنيب دائرة الرئيس أي مسئولية مباشرة.. هاجم بعد ذلك كإعلامي كل الأجهزة ما عدا وزارتي الداخلية وبالطبع الدفاع أنت بعد ذلك في أمان والدولة سوف توفر لك الحماية.. "مفيد" كان يعيش هانئاً مطمئناً في ظل النظام البائد حتى لو شعر ببعض الانزواء فهذا لا يعني أنه في خصومة إلا أن إسقاط النظام كان مباغتاً.. حاول "مفيد" أن يبدو متوافقاً مع ماضيه في الدفاع الدائم عن "مبارك" بالباطل خاصة أنه لا يستطيع أن يتنكر لأحاديثه ومقالاته التي كان يكيل فيها المديح لمبارك وكل ما يصدر عن مؤسسة الرئاسة حتى لو اصطدمت الرئاسة في بعض المواقف النادرة برأس الكنيسة "البابا شنودة" فإن "مفيد" كان ينحاز لمبارك.. حاول "مفيد" مع سقوط النظام أن يتماسك ولكن كيف؟ مشكلة "مفيد" أنه لا يلتقي مع الناس من خلال صفحة يقرؤونها ولكن هو يتوجه مباشرة للناس عبر الكاميرا وفى لقاءات جماهيرية ولهذا فإن الحماية السابقة له من الدولة سقطت بسقوط النظام صحيح إنه ليس من مذيعي التوك شو الذين كانوا يحصدون الملايين الذين تم استبعادهم مؤخراً وبالطبع عدم حصوله على الملايين ليس قراره ولكن هناك منظومة تحكم "ماسبيرو" تصنف المذيعين وكأنهم مثل رغيف الفرن أبو شلن ورغيف الرصيف أبو 25 قرش أقصد الجيد والممتاز منه بـ 50 قرشا.. "مفيد" اعتبروه في "ماسبيرو" أبو شلن وكان قانعاً خاصة أن الحماية الأدبية التي كان يحظى بها كانت تأتي من "صفوت الشريف" وبعد أن غادر الإعلام سقطت.. ثم إن "مفيد" وجد أن هناك نجوماً أكثر بريقاً اقتربوا أكثر من الناس ومساحة الانتقاد التي كانت له ودور حلة "البرستو" صاروا يلعبوه بأسلوب أفضل منه رغم إنه صاحب براءة اختراع الحلة!!
الآن لا "صفوت" ولا "مبارك" ولا دولة ولا شئ يحفظ له الجميل في خدمة النظام السابق هو كالأغلبية من العاملين في" الميديا "غيروا جلودهم.. ربما كان إيقاع "مفيد" أبطأ في التغيير ولكن بدأ يراهن على القادم ويقدم له أوراق الخضوع والولاء.. هل هذا يكفي إن الأهم هو التأثير حتى الذين سيلعبون في صف الدولة في النظام الجديد عليهم أن يثبتوا أن لديهم قبولاً لدى الرأي العام ولهذا كانت المجازفة التي قام بها "مفيد" مؤخراً بالذهاب للتحرير ثم خبر الطرد وذهابه للمقهى لحمايته وهو نفس المقهى الذي احتضن "تامر حسني" و "أحمد السقا" من قبل عندما لاحقتهم جماهير التحرير إلا أن "مفيد" أكد أنه لم يكن هو المقصود بتلك المطاردات ولكن فريق العمل وكأنها تفرق.. الناس بالنسبة لها فريق البرنامج هو "مفيد" إلا أن الرغبة في البقاء تدفعه للتكذيب وكأنه يبعث رسالة إلى قيادات التليفزيون الحاليين أنه لا يزال مطلوباً وأن الشباب لم يرفضوه.
هل النظام سوف يلعب بنفس الطريقة القديمة الحلة "البريستو"؟.. الشاشة الرسمية التي أراها الآن لا تجد فيها أي توافق ولا تشي بأي بارقة أمل تستطيع أن تجد "سامي الشريف" رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون وهو لديه قوة لا تقهر لأنه يستند إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إسناد المنصب إليه لكنه لم يغير شيئا ملموساً المناخ الحالي هو الذي من الممكن فقط لمفيد أن يتواجد فيه حيث إن الثورة في التليفزيون لم تغير شيئاً سوى وجوه.. نعم هم لا غبار عليها كلهم شرفاء ولا توجد ملاحظات سلبية ولكن الإبداع يحتاج إلى عقليات أخرى وتمرد لم استشعره حتى الآن.. صحيح إنهم لم يحصلوا على فرصة إلا أن تاريخ كل القيادات الجديدة في "ماسبيرو" على مدى ربع قرن لم يشي بأي شئ.
يستمر "مفيد" في ظل المعادلة الحالية التي تنحو إلى اتباع ما تعود عليه الأقدمون إلا أن السؤال لو تخيلنا أن الدولة سوف تواصل اللعب بأسلوب الحلة "البريستو" ألم يأت موعد انتهاء العمر الافتراضي لتلك الحلة.. على الأقل للذين فشلوا في اجتياز امتحان ميدان التحرير؟!
No comments:
Post a Comment