Wednesday, April 20, 2011

Back to al ahram , an article by Dr, Ossama El Ghazaly Harb after his last article dated april 2005

العـــودة إلي الأهــــــرام‏!‏
بقلم: د:أسامة الغزالى حرب
اليوم ـ الأربعاء‏20‏ أبريل‏2011‏ ـ أعود إلي الكتابة بالأهرام‏,‏ بعد انقطاع دام ست سنوات كاملة‏,‏

منذ أن كتبت آخر مقالاتي في27 أبريل2005 تحت عنوان روح الديمقراطية! كان ذلك المقال في الواقع هو الثالث من سلسلة بدأت بمقال في2 مارس2005 بعنوان الطريق إلي الجمهورية الثانية, والثاني في6 أبريل بعنوان الخوف من الحرية! وكانت مناسبة كتابة تلك المقالات الثلاث هي المبادرة التي أعلنها الرئيس السابق, حسني مبارك, في ذلك الحين ـ وتحديدا في25 فبراير2005 ـ باقتراح تعديل المادة76 من الدستور, التي تنظم انتخاب رئيس الجمهورية, عبر تنافس بين أكثر من مرشح, وليس من خلال الاستفتاء علي مرشح وحيد, كما كان ينص علي ذلك النص الأصلي للمادة.


لقد تفاءلت خيرا في ذلك الحين بهذا الاقتراح, قبل أن اكتشف ـ بل ويكتشف الشعب المصري كله ـ الخديعة التي انطوي عليها التعديل الفعلي لتلك المادة, والذي جعل منها فضيحة وعارا يلحق بكل من شارك في صياغتها وطبخها! وكان من الطبيعي, إزاء ذلك, أن أعترض علي ذلك التعديل المشين في جلسة مجلس الشوري يوم8 مايو2005. كما كان منطقيا تماما في ذلك الوقت أن أمتنع- طوعيا- عن الكتابة في الأهرام, ومجئ عدد من القيادات, التي يعلم كل من في الوسط الصحفي هويات بعضهم, وأسباب مجيئهم, ليبدوأ عهدا بائسا للصحافة القومية المصرية!
غير أنني لم أتصور أن ذلك الاعتراض علي المادة(76) سوف يؤذن بحملة ضارية شنها زملاء بل وأصدقاء! إما لكي يثبتوا ولاءهم للنظام القديم, من خلال الإمعان في الهجوم علي أحد أعداء النظام, أو ربما ليغسلوا أيديهم من شبهة علاقة أو صداقة بي, ربما تؤذيهم أو تقف أمام طموحاتهم!
ولا شك في أن سلسلة المقالات التي كتبها أحدهم نحو30 مقالا في الفترة بين فبراير ويونيو2006, في صحيفة لطخت اسم المؤسسة العريقة التي تنتسب إليها, تقدم نموذجا فجا لممارسات صحفية أعف عن وصفها بألفاظ لم أتعود علي استخدامها! وأحمد الله علي أنني لم أنزلق أبدا- في أية لحظة- إلي الرد علي تلك الكتابات التي أعلم يقينا أنها أدانت كتابها الذين انزووا الآن في الظلام, بعد أن أشرقت ثورة مصر العظيمة!
وهنا أجد من الواجب علي أن أسجل أنني وجدت في جريدة المصري اليوم ملاذا كريما, ومنبرا متميزا, شرفت بالكتابة المنتظمة فيه, يعوضني عن الأهرام, وأتواصل من خلاله مع الرأي العام والقراء في مصر والعالم العربي.
غير أن ما خفف من شعوري بالغربة عن الأهرام كان هو دائما قيامي بعملي كرئيس تحرير لمجلة السياسة الدولية العريقة, منذ بداية عام1992, بعد تعيين مؤسسها ورئيس تحريرها الأول د. بطرس بطرس غالي( شفاه الله وعافاه) أمينا عاما للأمم المتحدة. وكان حرصي علي ضمان مستوي علمي وثقافي رفيع لتلك المجلة( التي تعد بلا منازع الدورية العربية الأولي في العالم في العلاقات الدولية) مسألة لا تخضع لأي اهتزاز أو مساومة.
ومع ذلك, فقد شاء القدر أن يكون موقعي هذا في السياسة الدولية محلا لدراما أخري غريبة! ففي صباح يوم الثلاثاء18 يناير الماضي, وعندما كنت جالسا في مكتبي بالمجلة, إذا بمكالمة تليفونية تنقل لي خبر إقالتي من رئاسة تحرير المجلة بناء علي قرار اللجنة العامة لمجلس الشوري, أذاعه في حينها السيد صفوت الشريف, وكانت المفاجاة كبيرة لي! فليس ذلك هو التوقيت المعتاد لاجتماع اللجنة العامة للشوري, كما أنه لم يحدث من قبل أبدا أن أنهيت مدة أحد رؤساء التحرير قبل سن الخامسة والستين بهذا الشكل! وطلب مني أن أغادر مكتبي بالأهرام( الذي مكثت فيه أربعة وثلاثين عاما) علي وجه السرعة! واتصلت علي الفور بالدكتور عبد المنعم سعيد, رئيس مجلس الإدارة( وزميلي وصديقي منذ عام1972, أي منذ كنا طلبة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة), فقال لي: نعم عليك أن تترك السياسة الدولية, لأنك رئيس لحزب معارض, ثم إنك أيضا قدمت طلبا لإنشاء صحيفة للحزب! غير أن الصورة أخذت تتضح بسرعة, عندما استفسرت من صديق فاضل وكريم ذي صلة قوية بالسيد صفوت الشريف, أكد لي- بشكل قاطع- أن القرار لم يكن أبدا قرار الشريف, حتي وإن كان هو الذي أعلنه. ثم علمت بعد ذلك من صديق آخر, وقيادة مهمة في الأهرام في ذلك الحين, أن الإقصاء تم تلبية لطلب من الأستاذ جمال مبارك! وعندما سألته أن يستفسر من الدكتور عبد المنعم سعيد عن تسوية وضعي في الأهرام, بعد تلك الإقالة المفاجئة- مثلما تم ويتم في تلك الحالات من إجراءات وتسهيلات معتادة لمن هم في وضعي الوظيفي- كانت إجابة د. عبد المنعم سعيد الصاعقة: لا مكتب, ولا سكرتارية, ولا سيارة, ولا مكافأة! وأيقنت ساعتها تماما أن القضية تتعلق بتحضيرات وتجهيزات, بدأ جمال مبارك يعد لها, وفي مقدمتها بالقطع إخلاء الميدان من كل المعارضين والمشاغبين! وأنه وجد من يؤدون له تلك المهمة بكل همة وإخلاص!
وهكذا, وخلال الأيام القليلة التالية, بدءا من ظهر يوم18 يناير, أخذت أجمع حاجياتي, وأملأ بها صناديق الأهرام الكرتونية, ولم يخطر علي بالي إطلاقا أن تلك الصناديق التي نقلتها للمنزل لن تفتح إلا بعد شهرين! فقد بدأت منذ ظهر يوم الثلاثاء25 يناير أتواجد في ميدان التحرير مع بدايات كل صباح وحتي نهايات كل مساء, متابعا ومشاركا في ثورة مصر العظيمة مع الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير.
وبعد أن انتصرت الثورة, وهدأت عواصفها, وجدت من يحادثني ويقول لي: إن بإمكانك الآن أن تعود إلي الأهرام, وإلي مكتبك كمستشار للسياسة الدولية! غير أن ما هو أهم من ذلك بكثير أن الدعوة للعودة إلي الكتابة بالأهرام- بعد ست سنوات- جاءتني من إخوة وأصدقاء أعزاء, وصحفيين متميزين, آلت إليهم قيادة الأهرام في تلك اللحظة المفصلية من تاريخ المؤسسة العريقة. وعندما ذهبت بعد ظهر الأحد الماضي, في زيارة خاطفة للزميل والصديق العزيز عبد العظيم حماد في مكتبه كرئيس لتحرير الأهرام, شعرت بشعور غريب, كاسح ومؤثر, هو أنني لم أعد للأهرام, ولكن الحقيقة هي أن الأهرام هو الذي عاد إلينا جميعا, عاد إلي هويته, عاد إلي مصر كلها, عاد إلي العالم العربي من مشرقه إلي مغربه!
ولم ينفصل ذلك المشهد في ذهني عن مشهد آخر, سبقه بيوم, في رحاب المجلس الأعلي للقوات المسلحة, مزاملا فيه الأستاذ لبيب السباعي, رئيس مجلس إدارة الأهرام( وبصحبة الدكتور مصطفي الفقي, والدكتور عمرو حمزاوي) في حوار مع خمسة من كبار القادة العسكريين. ولم يكن من العسير أبدا أن نكتشف- نحن الأربعة المدنيين- مدي الإخلاص والإحساس بالمسئولية التي يتحلي بها أولئك القادة. ومع أن هذا اللقاء, ومغزاه ودلالاته, يستحق- وسوف يكون بالفعل- محلا لمعالجات أخري, فإن ما ينبغي الإشارة إليه, هنا, هو ذلك الإحساس المشابه لما شعرت به في الأهرام, أي أن مصر- كما الأهرام- عادت إلينا! فالذين جلسنا إليهم كانوا متمثلين تماما- ربما بما يفوق كل التوقعات- لمطالب الشعب وآماله, ومدركين آلامه وتضحياته. وتجسدت لنا- من خلال تلك المقابلة- أعظم وأجمل مفاجآت الثورة, أي الجيش المصري! نعم.. نحن ندرك تماما التراث العريق للجيش المصري, وندرك تماما احترام وحب الشعب المصري لقواته المسلحة, وشعوره بالأمان في جوارها وفي حمايتها. ونعلم علم اليقين الاطمئنان الذي شعر به المواطنون المصريون, عندما وجدوا بينهم أبناء جيشهم في دباباتهم وسياراتهم, وقد أتوا ليكونوا- منذ اللحظة الأولي- معهم لا عليهم. وكان هذا الانحياز الحاسم والقاطع من القوات المسلحة إلي جانب الشعب هو العلامة الحاسمة لانتصار الثورة المصرية العظيمة. ولكن أجمل المفاجآت كانت هي ذلك الحرص القاطع والشديد من جانب الجيش المصري علي إقرار النظام الديمقراطي في مصر, وتثبيت دعائمه علي أسس راسخة ومتينه: دستورية, وقانونية, وسياسية.
وهكذا, لا عجب ولا دهشة, في أن تتزامن عودة الأهرام إلي مصر مع عودة مصر إلي أهلها, وأن تتزامن عودة الثقة في فخر مؤسساتنا الصحفية مع تجديد الثقة في عماد مؤسساتنا الوطنية: الجيش المصري, وفي قدرتها جميعا علي مواجهة المخاطر والتهديدات التي تحيط بالوطن, وإعادة بناء مصرنا العزيزة بعد طول ركود.

No comments:

Post a Comment