أزمة الإعلام المصرى!
30 مارس 2011 09:26:32 ص بتوقيت القاهرة بقلم: سلامة أحمد سلامة
تواجه الحالة الإعلامية فى مصر بعد ثورة يناير أزمة خانقة، اختلطت فيها المعايير والأهداف والولاءات، سواء فى الصحافة القومية «الحكومية» أو فى الإعلام المرئى التليفزيونى. وباستثناء عدد محدود من الصحف الخاصة المستقلة أو ما يطلق عليه الإعلام الخاص، فقد شهدت المؤسسات الصحفية خلافات داخلية حادة بين قياداتها ومحرريها. كما شهدت شاشات التليفزيون مبارزات ومشادات كلامية ومناظر هزلية تذاع على الهواء بين المسئولين عن الإدارة ومقدمى البرامج من المذيعين.
وبات واضحا أن النسق الإعلامى الذى أقامته الدولة على مر العقود الماضية، يوشك على الانهيار. وأن التغيير الذى سعت إليه الثورة لا ينبغى أن يقتصر على تغيير نظام الحكم والقائمين عليه. بل لابد أن يصاحبه تغيير جذرى فى منظومة الإعلام وقياداته إذا لزم الأمر.. وقد لزم!!
ومنذ سنوات كانت كل المؤشرات تؤكد أن المنظومة الإعلامية فى مصر منظومة خربة، تم تركيبها بطريقة تضمن خدمة النظام وتبرير أخطائه. وفى ظل بريق من الشعارات الخادعة تتحدث عن الريادة والسيادة الإعلامية، ارتبطت هذه السياسة بتقييد التدفق الإعلامى، وتجاهل تأثيرات البث الفضائى المنافس، والانترنت.. والاعتماد على دغدغة المشاعر، وتجاهل الواقع الدولى والعربى متعاميا عن تراجع دور مصر الثقافى والسياسى. وكان السيد المسيطر فى كل ذلك هو الأمن ورجاله وعملاؤه. حيث غلبت الجوانب الأمنية على الكفاءة المهنية والأخلاقية. وتغلبت الشللية والتبعية والجرى وراء الحصول على رضا لجنة السياسات وقيادات الحزب الحاكم وتلميع ورثة النظام والطامعين فيه.
وانكشف غطاء الأوضاع الإعلامية المهترئة، حين وقعت أحداث 25 يناير دون توقع.. فتجاهلتها الصحف القومية ونشرات التليفزيون فى البداية، بل حدث تسابق بين مقدمى البرامج فى كيفية تضليل الرأى العام والاندفاع إلى تشويه أحداث الثورة، وأعيد الاعتبار لاستخدام تعبير القلة المندسة، الذى صار عملة رائجة فى العالم العربى من ليبيا إلى سوريا واليمن.. ولولا قناة الجزيرة التى تابعت تغطية الأحداث رغم منعها من البث فترات طويلة، لما عرف المصريون حقيقة عمليات القتل التى جرت فى ميدان التحرير، ولما شاهدوا أغرب موقعة فى التاريخ الحديث وهى موقعة الجمل.
وخلال 12 يوما حدث انقلاب إعلامى مذهل، من محاربة الثورة وشبابها وأهدافها إلى التصفيق لها وركوب موجة الدفاع عنها.. الأمر الذى جعل مجلة «ايكونوميست» البريطانية تفرد مقالا عن التغييرات الدرامية التى وضعت الإعلام المصرى فى خانة العجائب!
وكان طبيعيا ألا ترضى هذه الانقلابات والتقلبات الحادة جموع الشباب والإعلاميين، سواء فى الصحافة القومية أو فى التليفزيون. فليس يعقل أن يبقى على رأس هذه المؤسسات نفس الأشخاص الذين نافقوا وهللوا للفساد ولجرائم النظام السابق. ومن ثم كان طبيعيا أن نشهد ما نشهده اليوم من احتجاجات وغضب وسخط فى دور الصحف والتليفزيون.
ولكن يبقى السؤال المهم: هل يبحث الإعلاميون عن سيد جديد ممثلا فى وزارة الإعلام أو المجلس الأعلى للصحافة أو اتحاد الإذاعة والتليفزيون أو المجلس العسكرى أم أنه قد آن الآوان لكى يصنع الإعلاميون مصيرهم بأيديهم وتكون الكفاءة المهنية والأخلاقية هى السيد الحقيقى الذى يقود المنظومة الإعلامية؟
قد يحتاج الأمر فى المرحلة الانتقالية الراهنة أن يتدخل المجلس العسكرى لإحداث بعض تغييرات محدودة فى القيادات الصحفية وفى التليفزيون والإذاعة لإعادة الهدوء والانسجام إليها.
علما بأن لكل مؤسسة خصائصها وظروفها التى تختلف عن غيرها. مع الاعتماد على الكفاءة المهنية والوعى السياسى والاستقلالية الفكرية. ولكن يبقى من الضرورى إبعاد القيادات التى عرفت بعمالتها للأجهزة الأمنية والحكومية.
وأما تغيير المنظومة الإعلامية برمتها طبقا لأسس الإدارة الحديثة ومواكبة التطور الإعلامى الهائل، فسوف يحتاج إلى دراسات معمقة تشارك فيها نقابة الصحفيين، لتحرير الصحافة اقتصاديا وسياسيا من هيمنة الدولة، وتنظيم أوضاع البث التليفزيونى بما يضمن استقلالية الأداء المهنى، والقدرة على المنافسة، والتخلص من حالة الترهل المرضى والعجز الإعلامى التى يعانى منها التليفزيون المصرى!
No comments:
Post a Comment