Tuesday, November 1, 2011

هويتنا بين الإعلام والتعليم والهالووين


هويتنا بين الإعلام والتعليم والهالووين
المصدر: علي عبيد   التاريخ: 31 أكتوبر 2011
خرجْتُ من ملتقى الإعلام والهوية الوطنية الذي عُقِد في أبوظبي الأسبوع الماضي، وأنا أقل تفاؤلا بأن حلا قريبا لقضية الهوية الوطنية في إعلامنا المحلي يلوح في الأفق. ليس لقصور في تنظيم الملتقى، فقد بذلت الجهات المنظمة له، وهي المجلس الوطني للإعلام، ومركز الإمارت للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وجمعية الصحفيين، جهدا كبيرا في التنظيم، ووجهوا الدعوة لحضور المؤتمر إلى جميع المسؤولين عن أجهزتنا الإعلامية والعاملين في هذه الأجهزة.

لكن الملتقى سجّل غيابا لافتا للمسؤولين، باستثناء الذين شاركوا على المنصة في إدارة الجلسات أو بتقديم الأوراق، ولولا حضور معالي الشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان، رئيس المجلس الوطني للإعلام وزير الأشغال، الذي أضفى حضوره على الملتقى طابعا رسميا، لشعر مقدمو الأوراق والجمهور أنهم يحاورون أنفسهم في جلسة فضفضة وتنفيس عما في الصدور، وما في الصدور كثير ويحتاج أكثر من ملتقى وجلسة فضفضة واحدة.
في عام 2008 الذي أعلنه صاحب السمو رئيس الدولة عاما للهوية الوطنية، نظمت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع ملتقى كبيرا خصصته للهوية الوطنية، شارك فيه عدد من كبار المسؤولين في الدولة والدوائر المحلية والشخصيات العامة والمختصين في مجالات مختلفة. وقدم المشاركون طرحا صريحا وصادقا، بل وصادما، لواقع الهوية الوطنية وما يواجهها من تحديات وما يحيق بها من مخاطر، واقترح الملتقى معالجات منطقية وواقعية لحل مشكلة ذوبان هذه الهوية.
وقد خُصِّصت إحدى جلسات الملتقى للإعلام والهوية الوطنية، وخرج المشاركون فيها بتوصيات أكدت على أهمية حماية الهوية الوطنية من الذوبان، وركزت على ضرورة توطين الوظائف القيادية الإعلامية، وتكريس الهوية على مدى الأعوام القادمة، ضمن البرامج الإعلامية المتواصلة. وها نحن اليوم، بعد أربع سنوات من انعقاد ذلك الملتقى، نعود لنطرح القضية من جديد؛ نكرر ذكر المخاطر نفسها، ونطلق المخاوف ذاتها، نجلد أنفسنا، ونجتر آلامنا، ثم نصدر التوصيات نفسها، ونذهب لنعود فنلتقي بعد أعوام أخرى، لنعيد تمثيل المشهد نفسه.
في قضية الإعلام والهوية الوطنية، العلة واضحة، والأسباب ليست أسرارا عسكرية لا يمكن الخوض فيها، والحلول معروفة. في هذه القضية ليست المشكلة في البحث عمّن يعلق الجرس، فثمة أجراس معلقة منذ أعوام عديدة، لكن المشكلة أن المعلقة في رقابهم هذه الأجراس لا يرونها، ولا يسمعون أصواتها، ولا يشعرون بوجودها. الهوية الوطنية ليست مشكلة الإعلام وحده بالتأكيد، ولا هي قضية العاملين فيه وحدهم، فثمة مواقع كثيرة للخلل، لكن الإعلام ينال النصيب الأوفر من اللوم، لأنه يتعامل مع جميع فئات المجتمع.
عند الحديث عن الهوية الوطنية نواجه مواقف كثيرة تدعو للعجب، فهذه إدارة جامعة حكومية كبرى تخاطب جهازا إعلاميا حكوميا مثلها، تطلب منه الموافقة على استقبال مجموعة من طالبات الإعلام فيها، لإطلاعهن على أدوات وطرق الإنتاج الإعلامي الحديثة فيه. المسؤولة الموقِّعة على الرسالة مواطنة، والمسؤول الموجهة إليه الرسالة مواطن مثلها، والطالبات موضوع الرسالة مواطنات، والأستاذ المرافق لهن مواطن أيضا.
وحدها الرسالة مكتوبة باللغة الإنجليزية، لأسباب لا أستطيع شخصيا تبريرها! أليس هذا اغترابا وابتعادا عن الهوية الوطنية التي تمثل اللغة مكونا رئيسا من مكوناتها؟ وكيف نتوقع من أبنائنا أن يحترموا لغتهم الأم وهم يروننا نهمش هذه اللغة ونترفع عن كتابة مخاطباتنا بها؟ وكيف سيتمكن خريجو أقسام الإعلام في جامعاتنا من العمل في أجهزة إعلامنا المحلية، وهم لا يملكون أدوات العمل التي تأتي اللغة العربية في مقدمتها؟
الحفاظ على الهوية الوطنية يشمل الشكل والمضمون معا، وبالقدر نفسه من الأهمية، والذين يحاولون التقليل من شأن الشكل ويسخّفون الآراء التي تدعو إلى المحافظة عليه مخطئون، كما أن الذين يهملون المضمون ويركزون على الشكل فقط، مخطئون أيضا.
مناسبة هذا الحديث، هي رسائل البريد الإلكتروني التي أخذت تهل علينا منذ بداية الأسبوع الماضي، من إدارة أحد أسواقنا التي صممت وفق الطراز المحلي التراثي القديم، وهي تدعونا للاحتفال بعيد القديسين (الهالووين) الذي يحتفل به الإخوة المسيحيون ليلة الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر من كل عام. وقد كانت إدارة السوق كريمة أكثر من أصحاب العيد أنفسهم، فاحتفت بهذه المناسبة أربعة أيام متوالية، بدأت يوم الجمعة الثامن والعشرين من هذا الشهر، وتستمر حتى اليوم الحادي والثلاثين منه، مقدِّمةً خلال هذه الأيام الأربعة عروضا ترفيهية للعائلات، وقد خصصت للأطفال ساحات يمارسون فيها الألعاب المرعبة.
كما جاء في نص الدعوة، ورصدت جوائز مغرية للذين يرتدون الملابس التنكرية التي تميز هذا العيد، حيث تزعم الأسطورة أن كل الأرواح الشريرة تعود في هذه الليلة من البرزخ إلى الأرض، وتنتشر فيها حتى صباح اليوم التالي، بينما يتنقل الأطفال من بيت إلى آخر حاملين السلال والأكياس كي يملؤوها بالحلوى، ومن لا يعطي الأولاد المتنكرين الشوكلاته وحلوى الكراميل تغضب منه الأرواح الشريرة!
يحدث هذا عندنا، رغم أننا لسنا ضد التعددية الثقافية، ولكن ليس إلى هذه الدرجة، وفي سوق صمم على الطراز المحلي للحفاظ على التراث الذي هو أحد مكونات الهوية الوطنية، في الوقت الذي لم نر فيه هذا السوق يحتفل بليلة النصف من شعبان التي هي من صميم تراثنا، ولم يرسل لنا رسائل بالبريد الإلكتروني يبارك لنا فيها على الأقل بهذه الليلة، ولم يقدم لنا ولأطفالنا عروضا خاصة بهذه المناسبة، وها هو عيد الأضحى على الأبواب لنرى ما ستفعله إدارة السوق في هذا العيد، كي نقارن بينه وبين ما فعلته في عيد القديسين.
الهوية مشروع متطور مفتوح على المستقبل، متشابك مع الحاضر، والذين يعتقدون أن ربط الماضي بالحاضر للانطلاق نحو المستقبل تخلفٌ ورجعية ومجرد حنين إلى الزمن الجميل، لا يعرفون حقيقة الهوية ومكوناتها، وهم كثيرا ما يناقضون أنفسهم، لذلك نكرر أننا أقل تفاؤلا بحل قريب لقضية الهوية الوطنية.
يقول المناطقة إن "أقل تفاؤلا" تساوي "أكثر تشاؤما" في المعنى وتختلف معها في اللفظ، فهل ترانا نخفف ألفاظنا كي نهوِّن من وقع المصائب علينا، حين نقول إننا أقل تفاؤلا؟

No comments:

Post a Comment