الثورة بين الثقافة والاعلام
بقلم: د. حمدي حسن أبوالعينين
ألاحد 20 مارس 2011
ألاحد 20 مارس 2011
نجاح الثورة المصرية في بناء مجتمع ديمقراطي صحيح يسعد الكثير من الشعوب العربية, ولكنه لا يسعد بالدرجة ذاتها الحكومات العربية. الثورات زلازل تقع علي درجات عليا من مقاييس الحراك السياسي والاجتماعي, ولايزال الوقت مبكرا لمعرفة ما إذا كان الذي وقع يوم25 يناير زلزالا سياسيا جرف الفكر السياسي السائد ومهد الأرض لتغييرات اجتماعية وثقافية حقيقية, أم مجرد هزة أرضية سقطت بسببها أبنية كانت متهالكة.
بينما استطاع الفكر السياسي والاجتماعي النجاة وكتب له البقاء. ربما كنت مثل غيري متحمسا لوصف ما وقع بأنه ثورة باعتبار أن ما حدث يمثل نهاية درامية مفاجئة لثلاثة عقود من الركود السياسي والظلم الاجتماعي وهذا بحد ذاته انجاز ثوري... ولكن مجرد تغيير حاكم علي النحو الذي حدث أو تغيير طبقة حاكمة وهو ما نسعي إليه حتي الآن لا يضع ما حدث في مصر ضمن الثورات الكبري التي هي نقطة تحول شاملة في حياة شعوبها. تلهم بنضالها ونتائجها غيرها من الشعوب. قد يري البعض أننا نحتاج أن نمنح تلك الثورة شيئا من الوقت تظهر فيه نتائجها متمثلة في نظام سياسي ديمقراطي كفء وتغير ايجابي في الثقافة الاجتماعية والأخلاق العامة وتنظيم اجتماعي يحرر المجتمع من قيود كثيرة حالت دون إطلاق طاقات المصريين وإبداعاتهم. ولكن الوقت وحده لا يكفي مالم نكن علي وعي بالكثير من التحديات التي نواجهها ودون أن ندرك كيف تكون المواجهة. هذه الثورة تواجه اليوم الكثير من التحديات في الداخل والخارج. ففي الداخل لم يسقط النظام القديم بعد. وهو حتي الآن يبدو قادرا علي إعادة تجميع فلوله والعودة إلي مسرح الحياة السياسية والمؤشرات علي ذلك كثيرة, ومن الخطأ أن نقلل من خطورة ذلك حتي نبعث الطمأنينة في نفوس الناس أو لا نفسد فرحتهم بالثورة. فالحقيقة هي أن بعض الفاسدين رهن التحقيقات أما المفسدون فلا يزالون أحرارا يترقبون. والخطاب الإعلامي المصري هو الأسوأ وهو الخطر الأكبر.فقد تولي الإعلام الآن قيادة الثورة بعد أن سكنت حناجر المتظاهرين وانصرفوا إلي أعمالهم والخطر الإعلامي يأتي من جانبين: أولا: أن ما حدث في الإعلام المصري هو مجرد تحول في المواقف من الثورة دون تغيير يذكر في المستويات المهنية المتدنية. كان الإعلام الحكومي كله والخاص في معظمه مؤيدا للنظام السابق ثم انقلب عليه وأصبح الآن مؤيدا للثورة وقضاياها. ولكن ما كان يقوم به الإعلام المصري مع النظام السابق أصبح يقوم به ولكن هذه المرة مع الواقع الجديد الذي فرضته ثورة يناير. نفس الأقلام والأصوات والوجوه والمعايير المهنية. وهذا إعلام لا يمكن أن ناتمنه لا علي مرحلة التحول التي نعيشها ولا علي قضايانا حين تستقر بنا الأمور. فالإعلام الراهن يعيد إنتاج محتواه بنفس المعايير المهنية القديمة, الآراء تقدم علي أنها حقائق والمعلومات تفتقر إلي الدقة المطلوبة ومواجهة الفساد تمضي وعن قصد في الاتجاه الخاطيء وتوزيع الاتهامات مهمة يومية والحرية ستار لقوي تتحرك في الخلف وطواويس الإعلام علي حالهم يقدمون الوعظ ويبشرون المصريين بدين جديد في ساعات المساء. ثانيا: إن مستويات الحرية الراهنة في الإعلام المصري تجاوزت حدود الفوضي, هي حرية لم يعرفها الإعلام المصري لا قبل ثورة يوليو ولا بعدها. ولست داعيا أو مدافعا عن مثل هذا النمط من الحرية في التعاطي مع قضايانا الراهنة لفترة طويلة قادمة. لا أريد أن اصدم أحدا بهذا الرأي. فالحرية التي نراها علي شاشات التليفزيون هي حرية منفلتة من المهنية الإعلامية الصحيحة. وهي باختصار حرية يمكن أن تردي المجتمع موارد الهلاك. الإعلام المصري الآن باسم الحرية مفتوح لكل الاحتمالات ولكل الراغبين في التلاعب بالأحداث في مصر من خارجها, وسوف أكتفي فقط بواقعة احتفاء الإعلام المصري بخروج عبود الزمر وشقيقه من السجن, احتفاء يليق بالأبطال من القياصرة وليس برجل أدين بالتخطيط لقتل رئيس الدولة. وهذا الاحتفاء بشخصه لا يعنيني كثيرا ولكن الرجل خرج لتستفتيه القنوات وتحتكم إليه باعتباره عالما فقيها حرمنا النظام السابق من علمه الغزير ورؤيته السياسية ثلاثين عاما. وفي الخارج فإن نجاح الثورة المصرية في بناء مجتمع ديمقراطي صحيح يسعد الكثير من الشعوب العربية, ولكنه لا يسعد بالدرجة ذاتها الحكومات العربية. لم تلق ثورة المصريين الترحيب الواجب لها من محيطها الإقليمي أو الدولي. فمصر تقع في القلب من أكبر امتداد سلطوي ديكتاتوري في العالم. فلسنا نعرف منطقة جغرافية متصلة بهذا الحجم تحكمها أنظمة مستبدة مثلما هو الحال في المنطقة الممتدة من الخليج العربي وحتي المحيط الأطلسي.. وبالثورة التي وقعت أصبحت مصر تغرد خارج السرب العربي, وثورتها غير مرحب بها بحكم قدرتها علي الإلهام والتأثير في المنطقة. والتحدي الذي يواجه الثورة المصرية هو أنه إما أن تتمكن الثورة من نشر أفكارها وحفز شعوب المنطقة علي التغيير وقهر الاستبداد, أو أن تتمكن منها عوامل الضغط المحيطة فتبطيء من خطي التحول الديمقراطي فيها. والحقيقة هي أن كل نجاح تحققه الثورة المصرية في تحولها الديمقراطي يدعم فرص بقائها واستمرارها وانتشارها وقدرتها علي تغيير منطقتها. ونجاح الثورة المصرية في اقامة مجتمع ديمقراطي صحيح لن يتوقف علي مدي التغيير الثقافي في الداخل وإنما أيضا سوف يرتبط بمدي التغيير الثقافي في المحيط العربي حتي يتقبل الحرية التي تفرضها الديمقراطية الوليدة في مصر, وما لم يحدث ذلك فسوف تواجه مصر ذات الأخطار التي واجهتها أثينا وروما في العصور القديمة حيث دكت القبائل البربرية المدنيات القديمة. سوف تواجه مصر تحديات ثقافية هائلة بحكم انتمائها للثقافة العربية التي تشكلت معظم أنساقها في ظلال الخلفاء والسلاطين والملوك وحقوقهم المقدسة في الحكم والاستبداد ولا بديل عن أن تعيد مصر القيام بدورها الذي قامت به أثناء نهضتها الحديثة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. أن تكون منارة لفكر مستنير يمهد لثقافة اجتماعية جديدة لأزمة لقيام ديمقراطية حقيقية. وقد بدأت بعض المؤشرات في الظهور لتدلل علي غربة الثورة المصرية بين الحكام العرب. قبل سقوط مبارك صدرت عن بلدان عربية مجاورة تهديدات للولايات المتحدة إن هي مارست الضغط علي الرئيس السابق ومنعت عنه معونتها, وأعلنت أنها سوف تعوض مبارك عن تلك المعونات. أما بعد الثورة وقد ذهب مبارك وفي ظل المتاعب الاقتصادية الراهنة التي تواجهها مصر يبدو أن تلك الدول تتعلل الآن بالدراسة والبحث ولم تقدم شيئا. في حين إنها لم تكن تحتاج أي بحث ودراسة حين قررت في يومين منح سلطنة عمان ومملكة البحرين02 مليار دولار لتهدئة الثائرين الذين أصبحت هتافاتهم مسموعة في الجوار الخليجي حيث الملكيات التقليدية الخائفة من التغيير. وهناك تقارير صحفية لا أجزم بدقتها تشير إلي ضغوط تمارسها دول عربية ألا يلقي الرئيس السابق أو عائلته أي محاكمات بتهمة الفساد أو الكسب غير المشروع. وأنها تبطن ضغوطها بشيء من التهديد. ربما تدفع توازنات القوي في المنطقة الكثير من الدول إلي تقديم شيء من المساعدة ولكنها مساعدات لن تكون مقرونة بالامتنان لنظام ديمقراطي يمكن أن ينهي قرونا طويلة من الاستبداد في المنطقة. وليس الموقف الأوروبي والأمريكي مختلفا فالدعوات التي صدعت بها القوي الغربية رءوسنا حول الديمقراطية كانت للابتزاز وفرض السياسات ولكن أما وأن المصريين أخذوها جد فالمساعدات الغربية لن تأتي قبل الاستقرار كما يقولون. فالغرب سوف يلقي إلي الغريق طوق النجاة بعد أن يبلغ الشط لا بديل عن أن نتحمل معا وحدنا عبء التحول الآمن نحو الديمقراطية ولاشك عندي أننا قادرون علي ذلك.
No comments:
Post a Comment